فصل: ومن باب المرأة تصدق من بيت زوجها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من تصدق بصدقة ثم ورثها:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريده عن أبيه بريدة «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كنت تصدقت على أمي بوليدة وأنها ماتت وتركت تلك الوليدة. قال: قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث».
قلت: الصدقة في الوليدة معناها التمليك وإذا ملكتها في حياتها بالأقباض ثم ماتت كان سبيلها سائر أملاكها. والوليدة الجارية الحديثة السن والولائد الوصائف.

.ومن باب حقوق المال:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عَوانة عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق عن عبد الله قال: «كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقِدر».
قلت: يقال في تفسير الماعون أنه الشيء الذي لا يجوز منعه من الأرفاق التي للناس فيها متاع، وزعم بعض أهل اللغة أن الماعون مشتق من المعن وهو الشيء القليل وزنه فاعول منه والعرب تقول ماله سَعْنة ولا مَعْنة أي قليل ولا كثير وقال النمر بن تولب:
فإن هلال مالك غير مَعْن

وإنما اشتق للصدقة والمعونة هذا الاسم لأن الواجب من حق الزكاة والصدقات إنما هو قليل من كثير، وقد جاء الماعون بمعنى الزكاة قال الراعي.
قوم على الإسلام لما يمنعوا ** ماعونهم ويضيعوا التهليلا

يريد الصلاة والزكاة.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلاّ جعله يوم القيامة يحمي عليها في نار جهنم فيكوي بها جبهته وجنبه وظهره حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلاّ جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيُبطح لها بقاع قَرْقَر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم هي سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلاّ جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم هي سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار».
القرقر المستوى الأملس من الأرض والعقصاء الملتوية القرن والجلحاء التي لا قرن لها. وإنما اشترط نفي العقص والالتواء في قرونها ليكون أنكى لها وأدنى أن تمور في المنطوح.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن قتادة، عَن أبي عمير الغُداني، عَن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث إلى أن قال: «فما حق الإبل قال تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة وتُفقِر الظهر وتُطرِق الفحل وتسقي اللبن».
الغزيرة الكثيرة اللبن والمنيحة الشاة اللبون أو الناقة ذات الدر تعار لدرها فإذا حلبت ردت إلى ربها. وإفقار الظهر إعارته للركوب يقال أفقرت الرجل بعيري إذا أعرته ظهره يركبه ويبلغ عليه حاجته وإطراق الفحل إعارته للضراب لا يمنعه إذا طلبه ولا يأخذ عليه عسبا، ويقال طرق الفحل الناقة فهي مطروقة وهي طروقة الفحل إذا حان لها أن تطرق.
قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد بن مسلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين.
قوله: «جاد عشرة أوسق». قال إبراهيم الحربي: يريد قدرا من النخل يُجَذُّ منه عشرة أوسق وتقديره تقدير مجذوذ فاعل بمعنى مفعول وأراد بالقنو العذق بما عليه من الرطب والبسر يعلق للمساكين يأكلونه وهذا من صدقة المعروف دون الصدقة التي هي فرض واجب.

.ومن باب حق السائل:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل حدثني يعلي بن أبي يحيى عن فاطمة بنت الحسين عن حسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للسائل حق وإن جاء على فرس».
قلت: معنى هذا الكلام الأمر بحسن الظن بالسائل إذا تعرض لك وأن لا تجبهه بالتكذيب والرد مع إمكان الصدق في أمره يقول لا تخيب السائل إذا سألك وإن راقك منظره فقد يكون له الفرس يركبه ووراء ذلك عيلة ودين يجوز له معهما أخذ الصدقة. وقد يكون من أصحاب سهم السبيل فيباح له أخذها مع الغنى عنها وقد يكون صاحب حمالة أو غرامة لديون ادّانها في معروف وإصلاح ذات البين ونحو ذلك فلا يرد ولا يخيب مع إمكان أسباب الاستحقاق.
واختلفوا فيمن أعطى من الصدقة على أنه فقير فتبين غنيًا.
قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: يجزئه، وروي ذلك عن الحسن البصري.
وقال الثوري: لا يجزئ وكذلك قال الشافعي في أحد قوليه وهو قول أبي يوسف.

.ومن باب الصدقة على أهل الذمة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت: «قدمت عليَّ أمي راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغمة أفأصلها قال نعم فصلي أمك».
قولها راغبة في عهد قريش أي طالبة بري وصلتي وقولها راغمة معناه كارهة للإسلام ساخطة عليّ تريد أنها لم تقدم مهاجرة راغبة في الدين كما كان يقدم المسلمون من مكة للهجرة والإقامة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أمر بصلتها لأجل الرحم. فأما دفع الصدقة الواجبة إليها فلا يجوز وإنما هي حق للمسلمين لا يجوز صرفها إلى غيرهم ولو كانت أمها مسلمة لم يكن أيضًا يجوز لها إعطاؤها الصدقة فإن خلَّتها مسدودة بوجوب النفقة لها على ولدها إلاّ أن تكون غارمة فتعطى من سهم الغارمين. فأما من سهم الفقراء والمساكين فلا وكذلك إذا كان الوالد غازيا جاز للولد أن يدفع إليه من سهم السبيل.

.ومن باب الرجل يخرج من ماله:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس. خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى».
قوله: «يستكف الناس» معناه يتعرض للصدقة وهو أن يأخذها ببطن كفه يقال تكفف الرجل واستكف إذا فعل ذلك.
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه «أنك إن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» أي عن غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب التي تنوبه كقوله في حديث آخر «خير الصدقة ما أبقت غنى».
وفي الحديث من الفقه أن الاختيار للمرء أن يستبقي لنفسه قوتا وأن لا ينخلع من ملكه أجمع مرة واحدة لما يخاف عليه من فتنة الفقر وشدة نزاع النفس إلى ما خرج من يده فيندم فيذهب ماله ويبطل أجره ويصير كلًا على الناس.
قلت: ولم ينكر على أبي بكر الصديق رضي الله عنه خروجه من ماله أجمع لما علمه من صحة نيته وقوة يقينه ولم يخف عليه الفتنة كما خافها على الرجل الذي رد عليه الذهب.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خير الصدقة ما ترك غنى وأبدأ بمن تعول».
قوله: «ما ترك غنى» يتأول على وجهين أحدهما أن يترك غني للمتصدق عليه بأن تجزل له العطية والآخر أن يترك غنى للمتصدق وهو أظهرهما ألا تراه يقول وابدأ بمن تعول أي لا تضيع عيالك وتُفضل على غيرك.

.ومن باب المرأة تصدق من بيت زوجها:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر بما أنفقت ولزوجها أجر بما اكتسبت ولخازنه مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض».
قلت: هذا الكلام خارج على عادة الناس بالحجاز وبغيرها من البلدان في أن رب البيت قد يأذن لأهله ولعياله وللخادم في الإنفاق مما يكون في البيت من طعام وأدام ونحوه ويطلق أمرهم في الصدقة منه إذا حضرهم السائل ونزل بهم الضيف فحضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على لزوم هذه العادة واستدامة ذلك الصنيع ووعدهم الأجر والثواب عليه وأفرد كل واحد منهم باسمه ليتسارعوا إليه ولا يتقاعدوا عنه.
والخازن هو الذي يكون بيده حفظ الطعام والمأكول من خادم وقهرمان وقيم لأهل المنزل في نحو ذلك من أمر الناس وعاداتهم في كل أرض وبلد وليس ذلك بأن تقتات المرأة أو الخازن على رب البيت بشيء لم يؤذن لهما فيه ولم يطلق لهما الإنفاق منه بل يخاف أن يكونا آثمين إن فعلا ذلك والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سوَّار المصري حدثنا عبد السلام بن حرب عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير بن حية عن سعد قال: «لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقالت ما نبي الله أنأكل على آبائنا وأبنائنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه».
قوله: امرأة جليلة الجليلة تكون بمعنيين أحدهما أن تكون خليقة جسيمة يقال امرأة خليقة وخلِّيقاء كذلك والآخر أن تكون بمعنى المسنة يقال جل الرجل إذا كبر وأسن وجلت المرأة إذا عجزت وإنما خص الرطب من الطعام لأن خطبه أيسر والفساد إليه أسرع إذا ترك فلم يؤكل وربما عفن ولم ينتفع به فيصير إلى أن يلقى ويرمى به وليس كذلك اليابس منه لأنه يبقى على الخزن وينتفع به إذا رفع وادخر فلم يأذن لهم في استهلاكه، وقد جرت العادة بين الجيرة والأقارب أن يتهادوا رطب الفاكهة والبقول وأن يغرفوا لهم من الطبيخ وأن يتحفوا الضيف والزائر بما يحضرهم منها فوقعت المسامحة في هذا الباب بأن يترك الاستئذان له وأن يجري على العادة المستحسنة في مثله وإنما جاء هذا فيمن ينبسط إليه في ماله من الآباء والأبناء دون الأزواج والزوجات فإن الحال بين الوالد والولد ألطف من أن يحتاج معها إلى زيادة استقصاء في الاستثمار للشركة النسبية بينهما والبعضية الموجودة فيهما.
فأما نفقة الزوجة على الزوج فإنها معاوضة على الاستمتاع وهي مقدرة بكمية ومتناهية إلى غاية فلا يقاس أحد الأمرين بالآخر وليس لأحدهما أن يفعل شيئا من ذلك إلاّ بأذن صاحبه وقد وضعه أبو داود في باب المرأة تصدق من بيت زوجها.